الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
ثم في أول شهر ربيع الآخر ظهر الطادون بمدينة بلبيس وخانقاه سرياقوس. من ضواحي القاهرة. وكان أول الشهر يوم الجمعة الموافق لأول طوبة من شهور القبط فتخوف كل أحد من مجيء الطادون إلى القاهرة. هذا مع ما الناس فيه من جهد البلاء من غلو إلاسعار وظلم المماليك الأجلاب الذي خرج عن الحد وعدم الأمن وكثرة المخاوف في إلازقة والشوارع بحيث إن الشخص صار لا يقدر على خروجه من داره بعد أذان عشاء الآخرة حتى ولا لصلاة الجماعة ولو كان جار المسجد. وإن أذن العشاء والشخص خارج عن داره هرول في مشيه واسرع لئلا تغلق عليه الدروب التي عمرتها رؤساء كل حارة خوفا على بيوتهم من المناسر والحرامية لأن والي القاهرة خيربك القصروي حط عنه أمور الناس وانعكف على ما هو عليه من المفاسد وسببه أنه علم أن الذي يتعبث على الناس أو يسرق إنما هو من المماليك الأجلاب أو من أتباعهم وعلم مع ذلك ميل السلطان إلى الأجلاب واتفق بعد ذلك كثرة السراق وفتح البيوت وهجم المناسر على الحارات وكلمه السلطان في ذلك بكلام خشن ووبخه في الملأ وكان أن يفتك به فأوهم الوالي السلطان بالتلويح في كلامه أن الذي يفعل ذلك إنما هو من المماليك الأجلاب ة وكان الذي لوحه الوالي إلى السلطان قوله: " يا مولانا السلطان أنا ما لي شغل ولا حكم على من يلبس طاقية يعني المماليك وما حكمي إلا على العوام والحرامية " فسكت السلطان ولم يكلمه بعد ذلك إلا في غير هذا المعنى فوجد الوالي بذلك مندوحة لسائر أغراضه وحط عنه واستراح وانحل النظام وضاعت حقوق الناس وأخذ كل مفسد يتزيا بزي الجند ويفعل ما أراعه وصار الوالي هو كبير الحرامية ولا قوة إلا بالله. وفي يوم السبت تاسع شهر ربيع الآخر اختفى الصاحب شمس الدين منصور وتعطل بسبب غيابه رواتب المماليك السلطانية فاستغاثوا المماليك الأجلاب ومنعوا الأمراء يوم الأربعاء من طلوع القلعة وامتنعوا من طلوع الخدمة يوم الخميس أيضًا رابع عشره. وطلع الأمير يونس الدوادار إلى القلعة بغير قماش الخدمة فلما وصل إلى باب القلعة احتاطت به المماليك الأجلاب وسألوه أن يكلم السلطان في أمرهم فدخل الأمير يونس المذكور إلى السلطان وذكر له ذلك. ثم ترعرت الرسل بين السلطان وبينهم إلى أن آل الأمر إلى طلب سعد الدين فرج بن النحال واستقر وزيرًا على عادته أولا على شروط ونزل من وقته وباشر الوزر وسكن الأمر. وقد ذكر لي الصاحب شمس الدين أنه لم يختف إلا بإذن السلطان. وفي هذه الأيام
وكان عدة من ورد اسمه الديوان من الأموات في يوم الثلاثاء تاسع عشر شهر ربيع الآخر المذكور الموافق لسابع عشر أمشير وهو يوم تنتقل الشمس إلى برج الحوت خمسة وثلاثين نفرًا ولها تفصيل وذلك خارج عن البيمارستان المنصوري والأوقاف والقرافتين والصحراء وبولاق ومصر القديمة. وأما ضواحي القاهرة وإقليم الشرقية والغربية من الوجه البحري فقد تزايد الطادون فيها حتى خرج عن الحد وهو إلى الآن في زيادة. وكان أمر الطادون في القرى أنه إذا وقع بقرية يفني غالب من بها ثم ينتقل إلى غيرها وربما اجتاز ببعض القرى ولم يدخلها فسبحانه يفعل في ملكه ما يريد. وفي يوم الخميس حادي عشرينه ضرب المماليك الأجلاب الأمير زين الدين الأستادار بسبب عليق الخيول ضربًا مبرحًا وانقطع بسبب ذلك عن الخدمة أيامًا كثيرة. وفي يوم السبت ثالث عشرينه وقع من بعض المماليك الأجلاب إخراق في حق الأمير يونس الدوادار والشخص المذكور يسمى قانصوه وكان ذلك في الملأ من الناس ونزل الأمير يونس إلى داره وهو في غاية ما يكون من الغضب فما كفى قانصوه المذكور ما وقع منه في القلعة في حق الأمير يونس حتى نزل إليه بداره وأساء عليه ثانيًا بحضرة مماليكه وحواشيه فلم يسع الأمير يونس المذكور إلا أن قام من مجلسه وعزل نفسه عن الدوادارية ودخل إلى فى داره من وقته وأقام بها من يومه. ثم في الغد لم يقع من السلطان على قانصوه المذكور بسبب ما وقع منه في حق الأمير يونس كبير أمر ولا كلمه الكلام العرفي غير أن ابن السلطان الشهابي أحمد أرسل سأل الأمير يونس في الطلوع إلى القلعة وحضور الخدمة. ثم إن بعض الأمراء أخذ قانصوه المذكور وأتى به إلى الأمير يونس حتى قبل يده ولازال ذلك الأمير وغيره بالأمير يونس حتى رضي عنه بعد أن أوسعه سبًا وتوبيخًا وذلك حيث لم يجد يونس له ناصرًا ولا معينًا. وأغرب من هذا أنه بلغني أن قانصوه لما أفحش في أمر الأمير يونس أولًا ربما أضاف إليه السلطان في بعض إلاساءة والسلطان يسمع كلامه. قلت: إن صح هذا فهو مما يهون علي الأمير يونس ما وقع في حقه من قانصوه. وفي يوم الاثنين خامس عشرينه عجز الأمير زين الدين الأستادار عن القيام بجامكية المماليك السلطانية فقام إلى السلطان شخص من الخاصكية الأجلاب يسمى جانبيه المجنون وقال السلطان: " الملوك التي كانت قبلك كانوا ينفقون الجوامك لأي شيء أنت ما تعطي مثلهم ". فغضب السلطان من كلامه وطلب العصي ليضربه فخرج جماعة من الأجلاب من خجداشيته وجذبوه من بين يدي السلطان وتوجهوا به إلى الطبقة ولم يتكلم السلطان بكلمة واحدة. هذا والطادون أمره في زيادة. فلما استهل جمادى الأولى الموافق لتاسع عشرين أمشير كان في التعريف أعني عدة من يرد اسمه الديوان من الأموات ستين نفرًا وهذا خلاف إلاماكن المقدم ذكرها من البيمارستان والطرحى والقرافتين والصحراء ومصر وبولاق. وأما نواحي أرياف الوجه البحري ففي زيادة حتى قيل إنه كان يموت من خانقاه سرياقوس في اليوم ما يزيد على مائتي نفر. ووصل في هذه الأيام عدة من يموت بالمحلة الكبرى إحدى قرى القاهرة كل يوم زيادة على مائتين وخمسين إنسانًا وهذا أمر كبير كون أن المحلة وإن كانت مدينة هي قرية من القرى ومثلها كثير من أعمال الديار المصرية. غير أن ذلك كان نهاية الطادون بها وابتداءه بالقاهرة فإن الطادون كان وقع بإلارياف قبل القاهرة بمدة فلما أخذ الطادون في انحطاط من إلارياف أخذ في الزيادة بالقاهرة ومصر وضواحيها كما هي عادة الطادون وانتقاله من بلد إلى أخرى. وفي يوم الثلاثاء عاشر جمادى الأولى من سنة أربع وستين المذكورة أنعم السلطان على سودون الأفرم الظاهري الواصل قبل تاريخه من البلاد الشامية بإمرة عشرة بعد موت الأمير أسندمر الجقمقي. وفي هذا اليوم أيضًا كان عدة من ورد التعريف بهم من الأموات بالقاهرة فقط مائة وعشرة نفر ولها تفصيل ما بين رجال ونساء وصبيان وموال وليس لذكر التفصيل هنا محل. وكان من شأن هذا الطادون أنه ينقص في اليوم نقصًا قليلًا عن أمسه ثم يزيد في الغد كثيرا إلى أن انتهى ونقص وهو على هن! الصفة. وفي هذه الأيام بلغ عدة من يموت في اليوم بخانقاه سرياقوس أكثر من ثلاثمائة نفر ويقول المكثر أربعمائة وبالمحلة ثلاثمائة وفي مدينة منف في يوم واحد نحوًا من مائتين وقس على هذا في سائر القرى وهذا نهاية النهاية الآن. وفي يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الأولى يوم تنتقل الشمس فيه إلى برج الحمل كان فيه عدة من ورد اسمه التعريف مائة وسبعين نفرًا وجاء في هذا اليوم عدة من صلي عليه من الأموات بمصلاة باب النصر على حدتها مائة نفر فكيف يكون التعريف كله مائة وسبعين وبالقاهرة مصلوات كثيرة نذكرها بعد ذلك في محلها!. وأبلغ من هذا أن الأمير زين الدين الأستادار ندب جماعة من الناس بأجرة معينة إلى ضبط جميع مصلوات القاهرة وظواهرها وكان ما حرروه ممن صلي عليه في اليوم ستمائة إنسان فعلى هذا لا عبرة بذكر التعريف المكتتب من ديوان المواريث غير أن فائدة ذكر التعريف تكون لمعرفة زيادة الوباء ونقصه لا غير ففي ذكره فائدة ما. وفي يوم الجمعة عشرين جمادى الأولى كان فيه التعريف مائتين وتسعة نفر. ثم في يوم السبت حادي عشرينه أنعم السلطان على قاني باي الأشرفي المعروف بأخي قانصوه النوروزي بإمرة عشرة بعد موت الأمير يشبك الظاهري. ثم في يوم الخميس سادس عشرينه استقر الأمير برسباي البجاسي حاجب الحجاب أمير آخور كبيرًا بعد موت يونس العلائي بالطادون واستقر سودون الإينالي المؤيدي المعروف بقراقاش في حجوبية الحجاب عوضًا عن برسباي البجاسي المقدم ذكره. وفيه أيضًا أنعم السلطان بإقطاع يونس العلائي على الأمير جرباش المحمدي أمير مجلس وأنعم بإقطاع جرباش المذكور على الأمير جانبك الظاهري نائب بندر جدة وصار جانبك من جملة أمراء الألوف بالديار المصرية وذلك زيادة على ما بيده من التحدث على بندر جدة بل على جميع الأقطار الحجازية وإلاقطاع الذي استولى عليه الأمير جرباش والذي خرج عنه كلاهما تقدمة ألف لكن متحصل خراجهما يتفاوت. وفي يوم الخميس هذا كان عدة من ورد اسمه الديوان من الأموات نحوًا من مائتين وخمسة وثلاثين نفرًا وكان عدة المضبوط بالمصلاة ألفًا ومائة وثلاثة وخمسين نفرًا وذلك خارج عما ذكرنا من مصر وبولاق والقرافتين والصحراء والأوقاف وزاوية الخدام خارج الحسينية. وفي يوم السبت ثامن عشرين جمادى الأولى المقدم ذكرها استقر الشهابي أحمد بن قليب أستادار السلطان بمدينة طرابلس في حجوبية حجاب طرابلس زيادة على ما بيده من الأستادارية وغيرها وكانت ولايته للحجوبية بعد موت خشقدم إلاردبغاوي دوادار قاني باي الحمزاوي. ثم استهل جمادى الآخرة أولها يوم الثلاثاء وقد كثر الوباء بالديار المصرية وانتشر بها وبظواهرها هذا مع الغلاء المفرط في إلاسعار وظلم المماليك الأجلاب فصارت الناس بين ثلاثة أمور عظيمة: الطادون والغلاء والظلم وهذا من النوادر وقوع الوباء والغلاء معًا في وقت واحد فوقع ذلك وزيد ظلم الأجلاب ولله الأمر. وكان التعريف في هذا اليوم ثلاثمائة وستة عشر نفرًا وكان الذي حرروه في السبع عشرة مصلاة ألف إنسان وتسعمائة إنسان وعشرة. وأنكر ذلك غير واحد من الناس استقلإلا بل قال بعضهم وبالغ بأن عدة من يموت في اليوم بالقاهرة أكثر عن ثلاثة إلاف نفر واعتل بقوله إن الذين ندبوا لضبط المصلوات اشتغل كل منهم بنفسه وبمن عنده وبغلمانه. قلت: الصواب بل إلاصح مقالة الثاني لما شاهدناه من كثرة الجنائز وازدحام الناس بكل مصلاة والله أعلم. وأما أمر الغلاء ففي هذا الشهر بيع فيه القمح كل إردب بستمائة درهم والبطة من الدقيق العلامة بمائة وسبعين درهمًا والرطل الخبز بأربعة دراهم وهو عزيز الوجود بالحوانيت في كثير من الأوقات والشعير والفول كلاهما بأربعمائة درهم إلاردب وهما في قلة إلى الغاية والنهاية والحمل التبن بأربعمائة درهم ولا بد له من حارس من الأجناد يحرسه من المماليك الأجلاب هذا والموت فيهم بالجريف وصلوات الله على سيدنا عزرائيل وما سوى ذلك من المأكل فسعره متحسن لا كسعر كالشعير والتبن والقمح والفول كون هذه الأشياء يحتاج إليها الأجلاب فيأخدونها بأبخس إلاثمان فترك الناس بيع هذه إلاصناف إلا المحتاج فعز وجودها لذلك. ووقع للأجلاب في هذا الوباء أمور عجيبة فإنهم لما فرغوا من أخذ بضائع الناس ظهر منهم في أيام الوباء أخذ إقطاعات الأجناد فصاروا إذا رأوا شخصًا على حانوت عطار أخذوه وقالوا له: " لعل الضعيف يكون له إقطاع " فإن كان له إقطاع عرفهم به وإن لم يكن للضعيف إقطاع طال أمره معهم إلا أن يخلصه منهم أحد من الأعيان. ثم بدا لهم بعد ذلك أن كل من سمعوا له إقطاعًا من أولاد الناس أو الأجناد القرانيص أخذوا إقطاعه فإن كان صحيحًا يرتجون مرضه وإن كان ضعيفًا ينتظرون موته فعلى هذا الحكم خرج إقطاع غالب الناس الحي والميت حتى إنهم فعلوا ذلك بعضهم مع بعض. فصار السلطان والناس في شغل شاغل لأن الأجلاب صاروا يزدحمون عليه لأخذهم إقطاعات الناس وعندما يتفرغ من المماليك الأجلاب يتظلم كل أحد إليه ممن خرج إقطاعه وهو في قيد الحياة فلم يسعه إلا رده عليه فصار إلاقطاع يخرج اليوم ويرد إلى صاحبه في الغد فصار يكتب في اليوم الواحد عدة مناشير ما بين إخراج ورد واستمر الناس على ذلك من أول الفصل إلى آخره. وأغرب من هذا أن بعض الأجلاب اجتاز في عظم أيام الوباء بالصحراء فحاذى جنازة امرأة على نعشها طرحة زركش فاختطفها وساق فرسه فلم يوقف له على أثر. ووقع لبعض الأجلاب أيضًا أنه صدف في بعض الطرقات جنازة وهو سكران فأمره المدير بالوقوف لتمر الجنازة عليه فحنق منه وأراد ضرب المدير فهرب منه فضرب الميت على رأسه وقد شاهد ذلك جماعة كثيرة من الناس. وفيما حكيناه كفاية عن فعل هؤلاء الظلمة " إلا لعنة الله على الظالمين ". وفي يوم الثلاثاء مستهل جمادى الآخرة وصل إلى القاهرة تغري بردي الطياري الخاصكي المتوجه فى الرسلية إلى جزيرة قبرس وصحبته جماعة كثيرة من ملوك الفرنج وأهل قبرس. والقادمون من الفرنج على قسمين: فرقة تسأل إبقاء ملك قبرس على الملكة المتولية وفرقة تسأل عزلها وتولية أخيها جاكم الفرنجي الذي قدم إلى القاهرة قبل تاريخه فلم يبت السلطان الأمر من ولاية ولا عزل في هذا اليوم وأحال الأمر إلى ما سيأتي ذكره. وفي يوم الخميس ثالث جمادى الآخرة المذكورة عظم الطادون بالقاهرة وظواهرها واختلفت كلمة الحساب لاشتغال كل أحد بنفسه وبمن عنده فمنهم من قال: يموت في اليوم أربعة إلاف إنسان ومنهم من قال: ثلاثة إلاف وخمسمائة وقاس صاحب القول الثاني على عدة من صلي عليه في هذا اليوم المذكور بمصلاة باب النصر وقال: إن كل مائة ميت بمصلاة باب النصر بثلاثمائة وستين ميتًا وجاءت مصلاة المؤمني في هذا اليوم أربعمائة وسبعة عشر ميتًا وهذا كله تقريبًا لا تحريرًا على إلاوضاع. ثم في يوم الثلاثاء ثامن جمادى الآخرة عمل السلطان الموكب بالحوش السلطاني لأجل قصاد الفرنج وحضرت الفرنج وقبلوا الأرض ونزلوا أيضًا على غير طائل. وفي يوم الجمعة حادي عشره كان فيه التعريف مائتين وثمانين وجاءت مصلاة باب النصر على حدتها خمسمائة وسبعين. وفيه ضربت المماليك الأجلاب الوزير سعد الدين فرج بن النحال ضربًا مبرحًا لكونه لم يزد راتب لحمهم. وفي يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة كان فيه التعريف نحو ثلاثمائة إنسان منهم مماليك خمسة وسبدون: منهم خمسة وثلاثون من مماليك الأمراء وغيرهم ومن بقي سلطانية. وأما الذي ضبط في هذا اليوم ممن صلي عليه من الأموات باثنتي عشرة مصلاة أربعة إلاف إنسان وفي ذلك نظر لأن مصلاة باب النصر وحدها جاءت في هذا اليوم خمسمائة وسبعين ومصلاة البياطرة أربعمائة وسبعين وجامع إلازهر ثلاثمائة وستة وتسعين فمجموع هذه المصليات الثلاث من جملة سبع عشرة مصلاة أو أكثر ألف وأربعمائة وستة نفر فعلى هذا كيف يكون جميع من مات في هذا اليوم أربعة إلاف! فهذا محال وهذا خارج عن القرافتين والحسينية والصحراء وبولاق ومصر القديمة إلا أن غالب من يموت صغار وعبيد وجوار. غير أن هذا الطادون كان أمره غريبًا وهو أن الذى يطعن فيه قل أن يسلم حتى قال بعضهم: لعل إن من كل مائة مريض يسلم واحد فأنكر ذلك غيره وقال: ولا كل ألف مبالغة. وفي يوم الأربعاء سادس عشره الموافق لرابع عشر برمودة ارتفع الوباء من بولاق وكان الذي مات بها في اليوم ثلاثة نفر وقيل سبعة وقيل عشرة. هذا بعد أن كان يموت في اليوم ثلاثمائة وأربعمائة ويقول المكثر خمسمائة فسبحانه وتعالى فاعلًا مختارًا يفعل في ملكه ما وغيرها وعظم في القاهرة وما حولها من جهة الصليبة والقلعة وقناطر السباع. وكان الذي مات من المماليك الأجلاب الإينالية في هذا الطادون إلى يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة ستمائة مملوك وثلاثين مملوكًا. إلى لعنة الله وسقر إلى حيث ألقت. . . ومما وقع لي من أوائل هذا الفصل قولي على سبيل المجاز: السريع قد جاءنا الفصل على بغتة مستجلبًا حل مجد الطلب من كثرة البغي وظلم بدا يخصه الله بمن كان جلب وفي يوم الاثنين حادي عشرين جمادى الآخرة الموافق لتاسع عشر برمودة وهو أول خمسين النصارى فيه ظهر نقص الطادون بالقاهرة وكان ابتداء النقص من يومي الخميس والجمعة. وفي يوم الاثنين هذا كان عدة من صلي عليه بمصلاة باب النصر ثلاثمائة وخمسين إنسانًا وبجامع إلازهر ستمائة إنسان وهو أكثر ما وصل إليه العدة بالجامع المذكور لأن غالب الطادون الآن هو بالقاهرة وكان عدة من صلي عليه بمصلاة البياطرة مائتين وأربعة وهو بحكم النصف مما كان صلي عليه بها قبل ذلك وكان عدة من صلي عليه بمصلاة المؤمني مائتين وثمانين نفرًا وهو أقل من النصف أولًا. ونحن نذكر إن شاء الله تعالى عدة هذه المصلوات في يوم الاثنين القابل ليعلم الناظر في هذا الكتاب كيفية انحطاط الطادون عند زواله من اليوم إلى مثله. فلما كان يوم الاثنين ثامن عشرينه الموعود بذكره كان فيه عدة من صلي عليه بمصلاة باب النصر مائة وتسعين وبالجامع إلازهر زيادة على مائة وثلاثين وبمصلاة البياطرة مائة وأربعة عشر وبمصلاة المؤمني مائة وسبعة وثلاثين ونذكر إن شاء الله تعالى في يوم الاثنين إلاتي عدة ذلك أيضًا. وفي يوم الخميس تاسع شهر رجب فيه فشا الطادون وانحط سعر الغلال وظهر الشعير والتبن والدريس لموت تلك الجبابرة والأجلاب. وفيه طعن جامعه ثم من الله تعالى بالعافية بعد أمور ولله الحمد على المهلة. وفى يوم الجمعة ثالث شهر رجب المذكور الموافق لسلخ برمودة لبس السلطان القماش الأبيض البعلبكي المعتاد لبسه لأيام الصيف. ثم في يوم الاثنين سادسه كان فيه عدة من صلي عليه من الأموات بمصلاة باب النصر مائة وقيل تسعين وبمصلاة البياطرة زيادة على الخمسين وبمصلاة المؤمني زيادة على التسعين. ثم في يوم السبت حادي عشره استقر الأمير أرغون شاه الأشرفي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة أستادار الصحبة السلطانية بعد موت يشبك الأشرفي الأشقر. ثم في يوم الاثنين ثالث عشر شهر رجب كان فيه عدة من صلي عليه من الأموات بمصلاة باب النصر نحوًا من خمسة وعشرين نفرًا وبمصلاة البياطرة ثلاثة وعشرين وبالجامع إلازهر خمسة نفر وبمصلاة المؤمني نيفًا وثلاثين نفرًا. هذا والعلة موجودة في الأكابر والأعيان إلى آخر رجب. ثم في يوم الثلاثاء رابع عشره استقر القاضي تقي الدين بن نصر الله ناظر ديوان المفرد عوضًا عن الصاحب شمس الدين منصور بن الصلي. وفيه استقر الشيخ سراج الدين عمر العبادي الشافعي ناظر إلاحباس بعد موت القاضي زين الدين عبد الرحيم العيني. واستهل شعبان يوم الخميس وقد خف الطادون من الديار المصرية بالكلية فكان عدة من مات في هذا الطادون من المماليك الأجلاب الإينالية فقط ألفًا وأربعمائة نفر فالله يلحق بهم من بقي منهم وهذا خلاف من مات في هذا الطادون من المماليك السلطانية الذين هم من سائر الطوائف. ثم في يوم الثلاثاء سادس شعبان المذكور من سنة أربع وستين وقع في المملكة أمر شنيع وهو أن السلطان جمع أعيان الفرنج القبارسة في الملأ بالحوش السلطاني وأراد بقاء الملكة صاحبة قبرس على عادتها وخلع على قصادها أعيان الفرنج واستقر تغري بردي الطياري مسفرها وعلى يده تقليدها وخلعتها. وكان الفرنجي جاكم أخوها حاضر الموكب وقد جلس تحت مقدمي الألوف فعز عليه ولاية أخته وإبقاؤها على ملك الأفقسية من جزيرة قبرس مع وجوده فقام على قدميه واستغاث وتكلم بكلام معناه أنه قد جاء إلى مصر والتجأ إلى السلطان ودخل تحت كنفه وله عنده هذه المدة الطويلة وأنه أحق بالملك من أخته وبكى فلم يسمع السلطان له وصمم على ولاية أخته وأمره بالنزول إلى حيث هو سكنه. فما هو إلا أن قام جاكم المذكور وخرج من باب الحوش إلاوسط. ثم خرج بعده أخصامه حواشي أخته وعليهم الخلع السلطانية فمدت الأجلاب أيديها إلى أخصام جاكم من الفرنج وتناولوهم بالضرب والآخراق وتمزيق الخلع واستغاثوا بكلمة واحدة أنهم لا يريدون إلا تولية جاكم هذا مكان والده. وعظمت الغوغاء فلم يسع السلطان إلا أن أذعن فى الحال بعزل الملكة وتولية جاكم فتولى جاكم على رغم السلطان بعد أن أمعنوا المماليك الأجلاب في سب الأمير بردبك الدوادار الثاني وقالوا له: " أنت إفرنجي وتحامي للفرنج ". فاستغاث بردبك المذكور ورمى وظيفة الدوادارية وطلب إلاقالة من المشي في الخدمة السلطانية فلم يسمع له السلطان وفي الحال خلع على جاكم ورسم بخروج تجريدة من الأمراء إلى غزو قبرس تتوجه مع جاكم المذكور إلى قبرس حسبما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى في وقته. وفي يوم الاثنين ثاني عشره رسم السلطان باسقرار الأمير قراجا الظاهري الخازندار حاجب الحجاب كان أتابك عساكر دمشق بعد موت الأمير علان المؤيدي بمال وعد به نحو عشرة إلاف دينار. وفي يوم السبت سابع عشره استقر القاضي ولي الدين أحمد ابن القاضي تقي الدين محمد البلقيني قاضي قضاة دمشق الشافعية بعد عزل القاضي جمال الدين يوسف البادوني. وفيه استقر القاضي زين الدين أبو بكر بن مزهر ناظر الجيوش المنصورة بعد عزل القاضي برهان الدين إبراهيم الديري. وفي يوم الأحد ثامن عشره عرض السلطان المماليك السلطانية بالحوش وعين منهم جماعة للجهاد أعني للسفر صحبة جاكم الفرنجي إلى قبرس وقد تعين من يسافر إلى قبرس من الأمراء قبل ذلك. وفيه ورد الخبر من مكة المشرفة بموت الأمير يرشباي الإينالي المؤيدي رأس المماليك المجاورين بها فأنعم السلطان بإقطاعه في يوم الثلاثاء على دولات باي الأشرفي الساقي وعلى خيربك من حديد الأشرفي الدوادار نصلين بالسوية لكل منهما إمرة عشرة. واستهل شهر رمضان أوله الجمعة في يوم السبت ثانيه خلع السلطان على الأمير جانبك الظاهري أحد أمراء مقدمي الألوف بسفره إلى بندر جدة على عادته في كل سنة وخرج من الغد متوجهًا إلى جدة في غاية التجمل والحرمة. وفي يوم الثلاثاء خامس شهررمضان المذكور عين السلطان الأمير خشقدم الناصري المؤيدي أمير سلاح إلى سفر الوجه القبلي لقتال العرب الخارجة عن الطاعة وعين معه مائتي مملوك وسافروا يوم الثلاثاء ثاني عشره. وفي هذا الشهر قوي إلاهتمام بسفر المجاهدين وقاست الناس من أعوان سنقر الزردكاش شدائد يطول الشرح في ذكرها حتى قال بعض الشعراء الموالة بليقًا تعرض فيه لظلم سنقر الزردكاش وحواشيه بقوله: قبل الغزا جاهد في الناس فصار الظلم أنواع وأجناس ووقع بسبب عمارة هذه المراكب مظالم لا تحصى من قطع أشجار الناس عسفًا وأخذهم ما يحتاجون إليه ظلمًا. وزاد ظلم سنقر هذا على الناس حتى جاوز الحد فلا جرم أن الله تعالى عامله بعد ذلك من جنس فعله في الدنيا بما قاساه من النفي والحبس وأخذ المال مع الذل والهوان والصغار وحل به كل مصيبة حتى أحرقت داره بجميع ما فيها ثم نهب ما فضل من الحريق وتشتت في البلاد على أقبح وجه هذا في الدنيا وأما الآخرى فأمره إلى الله تعالى. وفي يوم الأحد أول شوال عين السلطان الأمير كزل السودوني المعلم والأمير برسباي الأشرفي الأمير آخور للتوجه إلى الإسكندرية وصحبتهما مائة وخمسون مملوكًا من المماليك السلطانية لأخذ ما هناك من المراكب والتوجه بها إلى ثغر دمياط من البحر الملح ليكون سفر جميع المجاهدين من مينة واحدة وهي مينة دمياط. ثم في يوم الأربعاء رابع شوال أنفق السلطان في المجاهدين من المماليك السلطانية للفارس والراجل سواء لكل واحد مبلغ خمسة عشر دينارًا وأنفق على كل مملوك من المماليك الذين يتوجهون مع كزل وبرسباي المقدم ذكرهما عشرة دنانير الواحد. ثم في يوم الاثنين تاسعه نزل السلطان الملك الأشرف إينال في موكب هائل من قلعة الجبل بأمرائه وخاصكيته وأعيان دولته إلى جزيرة أروى المعروفة بالوسطى بساحل النيل لينظر ما عمر من المراكب فسار إلى هناك في موكب عظيم ونظر المراكب وخلع على سنقر قرق شبق الزردكاش المقدم ذكره وعلى جماعة أخر ممن باشر عمل المراكب ثم عاد من حيث جاء من قناطر السباع فلم يبتهج الناس لنزوله لعظم ما قاسوه من الظلم في عمل هؤلاء المراكب من قلة الآنصاف والجور في حق العمال من أرباب الصنائع وغيرهم. ولولا أن الأمر منسوب إلى نوع من أنواع الجهاد لذكرنا من فعل سنقر هذا ما هو أقبح من أن نذكره. ثم في يوم الثلاثاء سابع عشر شوال سافر المجاهدون في بحر النيل إلى ثغر دمياط ومقدم العساكر يوم ذاك في البر الأمير يونس إلاقبائي الدوادار الكبير وفي البحر الأمير قانم من صفر خجا المؤيدي التاجر أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية ومعهما بقية الأمراء ومنهم الأمير سودون الإينالي المؤيدي المعروف بقرقاش حاجب الحجاب وغيره. وخلع السلطان على هؤلاء الثلاثة المذكورين وخلع أيضًا على جاكم الفرنجي خلعة نخ بقاقم ونزل جميع الغزاة في خدمتهم إلى بحر النيل وسافر هؤلاء الأمراء الثلاثة إلى دمياط من يومهم وبقي من عداهم يسافرون أرسإلا في كل يوم إلى يوم الثلاثاء القابل لكثرة عدة العساكر. وأما مقدار عدد من سافر في هذه الغزوة من الأمراء والجند فعدة كبيرة. فأولهم أمراء الألوف الثلاثة المقدم ذكرهم. ثم من أمراء الطبلخانات ثلاثة أيضًا وهم: الأمير بردبك البجمقدار الظاهري ثاني رأس نوبة وجانبك من أمير الخازندار الأشرفي ويشبك من سلمان شاه الفقيه المؤيدي رأس نوبة. ومن أمراء العشرات جماعة وهم: جكم الأشرفي خال الملك العزيز يوسف ودقماق اليشبكي وكسباي الششماني المؤيدي وطوخ إلابو بكري المؤيدي رأس نوبة وقانم نعجة الأشرفي رأس نوبة وسنقر قرق شبق الأشرفي الزردكاش المقدم ذكره وقراجا الأعرج الطويل أحد مماليك السلطان القديمة. وأما المماليك السلطانية فعدتهم تزيد على خمسمائة نفر تخيمنًا. وهذا خلا المطوعة وغيرهم من الخدم والمراكبية وأنواعهم. وفي يوم الخميس تاسع عشر شوال خرج أمير حاج المحمل بالمحمل وهو الأمير تمرباي من حمزة الناصري المعروف بططر أحد أمراء العشرات وأمير الركب الأول تنم الحسيني الأشرفي رأس نوبة. وفي يوم الجمعة سابع عشرينه أمسك السلطان زين الدين الأستادار وجنزره وحبسه بالبحرة من الحوش السلطاني وندب الصاحب شمس الدين منصور بن الصلي لمحاسبته فقأمت المماليك الأجلاب على منصور حمية لزين الدين فراج أمر زين الدين لذلك لعلم الناس أن السلطان مسلوب إلاختيار مع مماليكة الأجلاب. واستمر زين الدين بالبحرة إلى يوم الأحد فأخرجه السلطان واستقر به أستادارا على عادته ولبس خلعة الأستادارية من الغد في يوم الاثنين أول ذي القعدة. ثم في يوم الأربعاء ثالث ذي القعدة وصل إلاميل خشقدم أمير سلاح من الوجه القبلي بمن معه من المماليك السلطانية. وفي يوم الأربعاء سابع عشره قتل ابن غريب البدوي. وفي يوم الاثنين هرب زين الدين الأستادار واختفى بحيث إنه لم يعرف له مكان واستقر الصاحب شمس الدين في الأستادارية عوضه. ثم استهلت سنة خمس وستين وثمانمائة.
|